.
السيرة النبوية زاخرة بالمواقف التربوية المضيئة التي تنير للمسلمين ـ عامة ـ والدعاة إلى الله والمربين ـ خاصة ـ طريقهم في الدعوة والتربية والإصلاح، والتي ينبغي الاستفادة منها والاقتداء بصاحبها صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الآخرين ولو كانوا كافرين بديننا، أو مخالفين لنا، قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الأحزاب:21.
وقوله: فقيل: هلكتْ دَوس لأنَّهم ظنُّوا أن النبي صلى الله عليه وسلم سيدعو عليهم فَيستجيبُ الله عز وجل له، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم اهد دوسا ، وأمَر الطُّفيل رضي الله عنه بالرجوعِ إلى قومه ودعوتهم إلى الله، والترفُّقِ بهم، فقد روى السيوطي في الخصائص الكبرى، و البيهقي في دلائل النبوة، و ابن كثير في البداية والنهاية، و ابن هشام في السيرة النبوية وغيرهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن دعا لدوس بالهداية أمَر الطُّفيل رضي الله عنه بالرجوعِ إلى قومِه ودَعوتِهم إلى اللهِ، والترفُّقِ بهم، فقال: ارجع إلى قومك فادعهم إلى الله وارفق بهم، فرجعتُ إليهم فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الله، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فنزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس، ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين".
تتضمَّن محتويات كتب الأسود العنسي اتجاهين: الأوَّل: سياسي إقليمي: "أيها المتورِّدون علينا" فعدَّ عمَّال النبيِّ صلى الله عليه وسلم دُخلاء على اليمن مغتصبين لأرضهم، وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه عامل النبيِّ صلى الله عليه وسلم على اليمن قد نفَّذ سياسةً تخدم السلطة المركزيَّة التي كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد حدَّد قواعدها في المدينة، ويبدو أنَّ هذه السياسة كانت تتعارض مع النزعات الاستقلاليَّة التي تتحكَّم بأهل اليمن.