وَلاَ رَيْبَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بالاشْتِقَاقِ هَذَا المَعْنَى وَأَنَّهُ مُسْتَمَدٌّ مِن أَصْلٍ آخَرَ فهو بَاطِلٌ، ولَكِنَّ الَّذينَ قالُوا بالاشْتِقَاقِ لَمْ يُرِيدُوا هَذَا المَعْنَى، وَلاَ أَلَمَّ بقُلُوبِهِم، وإنَّما أَرَادُوا أنَّهُ دَالٌّ عَلَى صِفَةٍ له تَعَالَى وهي الإِلَهِيَّةُ كَسَائِرِ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى: كالعَلِيمِ والقَدِيرِ والغَفُورِ والرَّحِيمِ والسَّمِيعِ والبَصِير ؛ لإِنَّ هَذِهِ الأَسْمَاءَ مُشْتَقَّةٌ مِن مَصَادِرِها بِلاَ رَيْبٍ، وهي قَدِيمَةٌ، والقَدِيمُ لاَ مَادَّةَ له، فَمَا كَانَ جَوابَكُم عن هذه الأَسْمَاءِ فهو جَوَابُ القَائِلِينَ باشْتِقَاقِ اسْمِ اللهِ تَعَالَى، ثُمَّ الجَوَابُ عن الجَمِيعِ أَنَّا لاَ نَعْنِي بالاشْتِقَاقِ إِلاَّ أنَّهَا مُلاَقِيَةٌ لِمَصَادِرِهَا في اللَّفْظِ والمَعْنَى، لاَ أنَّهَا مُتَولِّدةٌ منه تَوَلُّدَ الفَرْعِ من أصْلِه ، وتَسْمِيَةُ النُّحَاةِ للمَصْدَرِ والمُشْتَقِّ منه أَصْلاً وفَرْعًا لَيْسَ مَعْناهُ أنَّ أحدَهمُا تولَّدَ مِن الآخَرِ، وإنَّما هو باعْتِبَارِ أنَّ أحَدَهُمَا يَتَضَمَّنُ الآخَرَ وزِيَادَةً.
وقال: وأمَّا تأويلُ اللهِ فإنَّهُ عَلَى مَعْنَى ما رُوِيَ لنا عنْ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ قالَ: هُوَ الذي يَأْلَهُهُ كُلُّ شَيءٍ، وَيَعْبُدُهُ كُلُّ خَلْقٍ ، وساقَ بسنَدِهِ عن الضَّحَّاكِ عنْ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ قالَ: اللهُ ذُو الأُلُوهِيَّةِ والعُبُوديَّةِ عَلَى خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ.
قَالَ العِمَادُ ابنُ كثيرٍ: يَقُولُ تَعَالَى لنبيِّهِ ورَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { قُلْ}لهؤلاءِ المُشْرِكِينَ الذينَ عَبَدُوا غَيرَ اللهِ، وحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُم اللهُ: { تَعَالَوْا} أيْ: هَلُمُّوا وأَقْبِلُوا، { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}أَقُصُّ علَيْكُم حقًّا، لا تَخَرُّصًا ولا ظنًّا، بلْ وَحْيًا منهُ وأمرًا مِنْ عِندِهِ، { أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}وكأنَّ في الكَلاَمِ مَحْذُوفًا دَلَّ عليهِ السياقُ تَقْدِيرُهُ: وصَّاكُمْ ألاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا؛ ولهذَا قَالَ في آخِرِ الآيةِ: { ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ}.
و"الفَترة" : الفَعْلَة، من قول القائل:"فتر هذا الأمر يفتُر فُتورًا"، وذلك إذا هدأ وسكن.