فأيُّ ألَمٍ هذا الذي يجعل صاحبَه يَحسُد عينيه هو، وكأنهما جارٌ له مثلًا يراه مُمتعًا بكل شيء، بينما هو قد فَقَدَ كلَّ شيء! وعجيب هذا منه وهو المتطير الذي كان يلقي باله إلى أقل تجانس في الكلمات، وأضعف تشابه في الحروف؛ ليستخرج منه النذر والبشائر، ويعلق عليه القنوط والأمل، ولكنه عجيب في الظاهر دون الحقيقة؛ لأنه إنما كان يبالي بالكلمات حين كان يأخذها مأخذ المتطيرين، وهي حينئذ لها معنى عنده، ومن ورائها نبأ، وفيها شعور، فليست هي خواء ولا تمويهًا، ولا بهرجًا زائفًا كبهرج العابثين والمزوقين، إنما كان يجانس لمعنًى يراه هو، ويراه من يتطير مثله، ولا يجانس لتزويق فارغ ولهو سخيف، فإذا لم يكن متطيرًا فلا جناس ولا اكتراث باللفظ إلا لما فيه من معنى ظاهر مستقيم، وما له من فصاحة ونضارة، أو يتفق له جناس اللفظ كما كان يتفق للشاعر الجاهلي والشاعر المخضرم قبل عهد التنميق والصناعة، فلا غرابة في أن نجد له أو لشاعر مخضرم مثل هذا البيت: تجلو الدجى والأخريات رجوم فهو أقرب إلى التقسيم الفلسفي منه إلى محسنات اللفظ وترصيعاته.
ولهذا السبب عُرف ابن الرومي بالشاعر الذي قتله شعره.
هذه اللحظة التي أدور فيها حولك هي لي النديم والخمر والكأس والدور في هذه اللحظة التي يتجلى فيها جمالك روحي في ذهول، كموسى بن عمران.
إذا سكتم عن العدو العين ولم تسارعوا لنجدة مدينة البصرة وتحريرها فأنتم شركاء هذا العين في ظلمه، أراد الشاعر أن يقول لنا "الساكت عن الحق شيطان اخرس".