ولذلك نلاحظ أن آية الاستئذان جاءت بعد الزجر عن الزنا والقذف، فلما ذكر الزجر عن الزنا والقذف في ذكر الاستئذان والزجر عن دخول البيت بغير استئذان؛ لأنه ربما أدى إلى وقوع أحد المحظورين، ولذلك فإن أدب الاستئذان يؤدي إلى قطع ألسنة السوء من مظنة الريبة، وربما يصادف الإنسان حال خروجه رب الدار، وليس فيها إلا امرأته فتذهب به الظنون كل مذهب، وربما أدى ذلك إلى خراب البيت وإلحاق الأطفال بحال اليتم والضياع.
ومن فوائد الاستئذان: أنه يُتيح للإنسان التصرف في بيته كما يشاء؛ فيأذن لِمَنْ يُريد، ويرد مَنْ يريد بغير حرج، والاستئذان يرفع الحرج عن المستأذِن والمستأذَن عليه، ويُتيح لصاحب البيت أنْ يُداري عوراته، وكلَّ ما يكره.
وأذن بالشي إذا علمه، تقول:ذهبت إلى كذا بإذنه أي بعلمه.
الرجوع في حال عدم الإذن بالدخول من الآداب أن يرجع المسلم إذا طُرق الباب ثلاثاًولم يُجب عليه، فقد جاء بحديث قيس بن سعد بن عبادة أنه قال: زارَنا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في مَنزلِنا، فقال: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ، قال: فرَدَّ سعدٌ رداً خَفيّا، قال قَيسٌ: فقلْتُ: ألَا تأذَنُ لرسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-؟ قال: ذَرْهُ يُكثِرْ علينا مِنَ السلامِ، ثمَّ قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ، فرَدَّ سعدٌ رَدّا خَفيّا، فرجَعَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، واتَّبَعَه سعدٌ، فقال: يا رسولَ اللهِ، قد كنتُ أَسمَعُ تَسليمَك، وأَرُدُّ عليك رَدّا خَفيّا؛ لتُكثِرَ علينا مِنَ السلامِ، قال: فانصرَفَ معه رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-.