ويأخذُ في الشهيقِ هَواءً نَقِيّا ، ويُخرِج في الزفير هَواءً مُستَهْلكًا ، ولا يختَلِطُ هذا بهذا! فلو فُرض أن في السماء والأرض إلهًا غير الله لفسدتا، ووجه الفساد أنه إذا كان مع الله إله آخر يستلزم أن يكون كل واحد منهما قادرًا على الاستبداد والتصرف، فيقع عند ذلك التنازع والاختلاف، ويحدث بسببه الفساد، وإذا كان البدن يستحيل أن يكون المدبّر له روحين متساويين، ولو كان كذلك لفسد وهلك، وهذا محال، فكيف يتصور هذا في الكون وهو أعظم؟! لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها؛ لأن الشيء لا يخلقُ نفسه؛ لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقـًا؟! فكيف لهم أصحاب هذه النفوس بعد سوابغ إنعامه، وجزيل إكرامه، وامتنان أفضاله، أن يجحدوا وجوده، ويشركوا معه غيره من مخلوقاته؟! فهذا هو الأسلوب القرآني في تقرير حقيقة الألوهيَّة يربط بين آلائه ونعمه وبديع صنعه مما له أثرٌ في تزكية النفس ورقّة القلب، وبين ما يترتب على ذلك من لزوم توحيده بإفراده في العبادة، ثمَّ يقول الله تعالى: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا.
ولو كان هناك أكثر من إلهٍ في الكون لوجدت أصولٌ متعدِّدة للكائنات، فعند تعدُّد الآلهة ستتعدَّد الأصول التي خُلقت منها الكائنات، وستجد أنَّ بعض الكائنات أصلها من ماء، والبعض الآخر من تراب، وثالث من هواء، وهكذا، إلَّا أنَّ وحدة خلقها من الماء يدلُّ على أنَّ من أوجدها هو إله واحد هو الله -جلَّ وعلا-.