ومن أغرب الغرائب أن بعض الناس يلتمس العذر لعبد الملك بقوله: إن الحجاج هو الذي أنقذ ملك بني أمية وإنه لولاه لانتقلت الخلافة لآل الزبير، فإن الناس بعد موت يزيد بن معاوية بايعوا لعبد الله بن الزبير، وكان فحل قريش الصائل في وقته، لا يدركه أحد في شجاعة، ولا عبادة، ولا بلاغة وأطاعه الحجاز واليمن والعراق وخراسان، ولم يمتنع عن مبايعته إلا أهل الشام ومصر؛ فإنهم بايعوا معاوية بن يزيد إلى أن مات، فبايعوا ابن الزبير إلى أن خرج مروان بن الحكم فغلب على الشام ومصر.
وبالاختصار نقول: إن في الحجاز الشريف — حماه الله — طائفتين لا بد لقاصد الحجاز أن يكون له علاقة معهما، ولا يكاد يستغني أحد عنهما، وهما المطوفون بمكة والمزورون بالمدينة.
وذكروا أن الحوض المنقوش المذهب الذي جلبه الفيلسوف أحمد مع ربيع الأسقف من القسطنطينية لم يكن وحده، بل جلبوا إليه أيضًا حوضًا آخر يقال له الحوض الصغير أخضر منقوشًا بتماثيل الإنسان، وأن الناصر نصبه في بيت المنام بالمجلس الشرقي، وجعل عليه اثني عشر تمثالًا من الذهب الأحمر مرصعة بالدر النفيس العالي مما عمل بدار الصناعة بقرطبة صورة أسد إلى جانبه غزال إلى جانبه تمساح، وفيما يقابله ثعبان وفيل وفي المجنبتين حمامة وشاهين وطاوس ودجاجة وديك وحدأة ونسر، وكل ذلك من ذهب مرصع بالجوهر النفيس ويخرج الماء من أفواهها.
وأجدر بما كان يفعله المسلم بوقفه أن يفعله المسيحي، وهو لا يعتقد من حرمة مس هذا الوقف ما يعتقده المسلم.